مقدمة مميزة عن التخطيط الاستراتيجي
في عالم الأعمال الحديث ومع تزايد التحديات والمتغيرات في البيئة المحيطة أصبحت المؤسسات تعتمد بشكل كبير على مفهوم التخطيط الاستراتيجي كوسيلة حديثة وفعالة للتخطيط والتنظيم، وهو الآلية التي تمكّن المؤسسة من النظر إلى المستقبل بشكلٍ إيجابي، حيث يمكنها استغلال الفرص والتحولات المستقبلية بدلًا من التركيز على مجرد تفادي التهديدات.
ويهدف هذا البحث إلى تقديم إطار شامل للتخطيط الاستراتيجي يسهم في تعريفه وفهمه بشكل أفضل، ومن خلاله يمكن للقارئ الإطلاع على المفاهيم الأساسية المتعلقة بهذا النوع من التخطيط، بدءًا من مفهومه وتعريفه، وصولًا إلى مراحله المختلفة ونماذجه.
![]() |
تعريف التخطيط الاستراتيجي، والأهمية والشروط والعناصر والأنواع ومدارس التخطيط الاستراتيجي |
وتعدّ هذه الإطارات الشاملة مفيدة بشكلٍ خاص لأي مؤسسة ترغب في التطور والنمو، فهي تُعرِّفها على عناصر ومكونات التخطيط الاستراتيجي، وتساعدها في استثمار الفرص وتحويل النقاط الضعيفة إلى نقاط قوة، وبالتالي يمكن للمؤسسة تجاوز التحديات التي تواجهها في بيئة الأعمال المعاصرة بنجاح.
تعريف التخطيط الاستراتيجي
يهتم العديد من الباحثين والمفكرين بتعريف التخطيط الاستراتيجي، ومن بين هذه التعريفات المختلفة، نذكر ما يلي:
- التخطيط الاستراتيجي هو عملية توضيح الأهداف التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها، بما يتناسب مع مكانتها في السوق واحتياجاتها المستقبلية.
- يعتبر التخطيط الاستراتيجي من العمليات الإدارية الحيوية، حيث يسعى لتنظيم علاقة المؤسسة بين أهدافها وتطلعاتها، وإعادة ترتيب وتنسيق الأنشطة بشكل دقيق لتحقيق النمو المستدام والأرباح المستقبلية.
- يتضمن التخطيط الاستراتيجي القدرة على التنبؤ والتناسق بين الإمكانيات الداخلية للمؤسسة والفرص والتحديات التي تنشأ من البيئة المحيطة بها.
- يمثل التخطيط الاستراتيجي عملية اتخاذ القرارات بشأن أهداف المؤسسة، واستخدام الموارد وتطبيق السياسات المناسبة لتحقيق هذه الأهداف.
- التخطيط الاستراتيجي هو عملية مستمرة ونظامية يقوم بها قادة المؤسسة لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن مستقبل المؤسسة وتطورها، بما في ذلك الإجراءات والعمليات اللازمة لتحقيق هذا المستقبل المنشود، وتحديد الكيفية التي يتم فيها قياس مستوى النجاح في تحقيق أهداف المؤسسة.
تعريف الاستراتيجية
يعود أصل مصطلح "الإستراتيجية" إلى الأصل الإغريقي، ويعني "علم الجنرال" أو "فن الحرب" في قيادة الجيوش، وبعد تحويل المصطلح إلى مجال الإدارة أصبح يعني "فن القيادة والإدارة"، ولذا أصبحت الإستراتيجية موضوع اهتمام واسع في مجال الإدارة، وتحتل اليوم مكانة هامة في إطار منظمات الأعمال، ويعتبر تحليل الإستراتيجية وتطويرها جزءًا حاسمًا من نجاح أي مؤسسة.
تم تعريف الاستراتيجية بعدد من التعريفات، منها:
- تحديد وإعداد الأهداف والغايات الأساسية للمؤسسة على المدى البعيد، وتحديد الخطط اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، وتخصيص الموارد اللازمة لتحقيقها.
- مجموعة الخطط الموجهة التي تساعد الإدارة على تحقيق المسار الذي اختارته وتستفيد من الفرص المحيطة بها، وتواجه القيود والتهديدات والمخاطر لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، مع التأكد من تنفيذ الخطط والبرامج المحددة.
- خطط وأنشطة المؤسسة لخلق درجة من التوافق والتطابق بين رسالتها وأهدافها، حيث يتم وضعها بأسلوب يضمن هذا التناغم الهام.
بعد دراسة التعريفات السابقة يمكن لنا أن نعرف الإستراتيجيه على أنها: خارطة الطريق الحاسمة لأي مؤسسة ترغب في تحقيق أهدافها المرجوة، فهي تضم الخطط والعمليات اللازمة لتصميم وتنفيذ وتحقيق أهداف طويلة الأجل، لمساعدة المؤسسة على تحقيق النجاح والنمو والتغلب على التحديات التي تواجهها.
تعريف التخطيط
لقد قُدِّم لمفهوم التخطيط العديد من التعاريف من وجهات نظر متعددة وفي أزمنة مختلفة، وفي ما يلي سوف نعرض عددًا منها:
- يُعني التخطيط توقع ما سيكون عليه الوضع في المستقبل والاستعداد لهذا المستقبل.
- هو التقرير المقدم حول ما يجب القيام به، وكيفية القيام به، ومن هم المسؤولون عن العمل، ويُغطي الفجوة بين الوضع الحالي والمستقبل المرجو الوصول إليه.
- يعني التخطيط تحديد مسار الأنشطة المستقبلية بناءً على الحقائق المتعلقة بالمواقف، وذلك عبر تحليل دقيق لتلك الحقائق.
- يمثل التخطيط عملية مستمرة وحيوية تشمل تحديد طريقة السير والإجابة عن أسئلة مهمة، مثل: ما هي الأفعال المطلوبة، ومن هم المسؤولون عن تنفيذها، وأين ومتى وكيف يتم تنفيذها، وهو ما يؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة بفعالية.
استنادًا إلى هذه التعاريف يمكننا الوصول إلى تعريف شامل للتخطيط وهو: "المفتاح الذي يفتح باب المستقبل، فهو عملية علمية ومستمرة تسمح باتخاذ القرارات الصائبة والإجراءات الحكيمة التي تحدد اتجاه المستقبل وتحقق الأهداف المنشودة، وتتحقق هذه الأهداف من خلال وضع السياسات اللازمة وتنفيذها بشكل فعال ودقيق."
عناصر التخطيط الاستراتيجي
تتألف عملية التخطيط الاستراتيجي من أربعة عناصر أساسية تعد جوهرية لتحديد المسار الأمثل لنجاح المؤسسة، وهي:
- العنصر الأول هو "المستقبلية في اتخاذ القرارات": حيث تتمثل هذه العملية للمؤسسة بتحديد الفرص والمخاطر المستقبلية، وتعطي الأرضية الملائمة لاتخاذ القرارات المناسبة، ويتطلب ذلك دمج المعلومات ذات الصلة وتحديد الأهداف المستقبلية وطرق تحقيقها.
- العنصر الثاني في التخطيط الاستراتيجي فيتعلق بـ"العملية": فهي عبارة عن عملية مستمرة تتضمن تحديد الجهود التنظيمية المطلوبة وتحديد متى يتم اتخاذها ومن يقوم بها، وذلك بناء على التغيرات المستمرة في البيئة الداخلية والخارجية.
- العنصر الثالث هو "الفلسفة" وهي تمثل الاتجاه والطريقة في الحياة، والثقافة والمعتقدات التي يجب أن يتمتع بها الأشخاص الذين يقومون بتحديد الخطط الاستراتيجية
- يتعلق العنصر الرابع والأخير في عملية التخطيط الاستراتيجي بـ"الهيكلية"، وهو الذي يربط بين ثلاثة أنواع مختلفة من الخطط، وهي الخطط الاستراتيجية والخطط المتوسطة والخطط القصيرة المدى، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف يتم إنشاء علاقات هيكلية بين هذه الأنواع الثلاث، ويساعد ذلك الإدارة العليا على تحويل الخطط الرئيسية إلى قرارات واضحة تساعد في تحقيق أهداف المؤسسة المنشودة.
أهمية وفوائد التخطيط الاستراتيجي
يعدّ التخطيط الإستراتيجي من العوامل الحاسمة في نجاح المنظمات، فهو يمنحهم الفرصة للتأثير والتنسيق بين مختلف أوجه النشاط، وتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تحددها الإدارة، وإليكم بعض المزايا الهامة للتخطيط الاستراتيجي:
- يتيح التخطيط الإستراتيجي فرصة للعاملين في المنظمات بالمشاركة في عملية اتخاذ القرارات، مما يساعدهم على الشعور بالانتماء والمساهمة الفعالة في تحقيق الأهداف، وبالتالي يزيد من مستوى رضاهم وراحتهم النفسية.
- يسمح للمؤسسات بتحقيق القدرة على التأثير والقيادة، بدلاً من أن تكون قراراتها عبارة عن رد فعل للأحداث الجارية ومجرد.
- يمكن من تحقيق التنسيق الفعال والالتزام بالأهداف الاستراتيجية التي تضعها الإدارة العليا، من خلال العمل على تنفيذ مختلف أوجه النشاط بطريقة متناسقة ومتكاملة.
- يساعد في تقليل الآثار السلبية للظروف المحيطة، وذلك عن طريق زيادة الكفاءة والفعالية في المنظمات.
- يمكن التنبؤ بحدوث ظروف عدم التيقن فيما يتعلق بالعوامل البيئية الخارجية، وتحديد تأثيراتها على حركة الإدارة، بالإضافة إلى تحديد القيود والفرص المتاحة، وذلك يساهم في تحقيق فعالية المؤسسة.
- يوفر إطاراً لترشيد الإدارة في اتخاذ القرارات، وذلك بالاعتماد على معلومات محددة ومحكمة ومحدثة بشكل دوري، مما يساعد في تحديد الأولويات وتخصيص الموارد بشكل فعال، وبالتالي يساعد على تحقيق أهداف المؤسسة بأقل تكلفة ممكنة وفي أقصر وقت ممكن.
سمات الأفراد ذوي التفكير الاستراتيجي:
من الأهمية بمكان تعريف سمات الأفراد ذوي التفكير الإستراتيجي، ومن بين تلك السمات:
- القدرة على تقدير الأمور بنظرة نافذة وفراسة.
- الاستشعار الدقيق للبيئة المحيطة بهم.
- القدرة على تحليل البيانات وفهمها بشكل دقيق وشامل.
- المهارة في اتخاذ الخيارات الإستراتيجية المناسبة.
- القدرة على تحديد الموارد والإمكانيات المتاحة واستخدامها بكفاءة.
- المواكبة لتطورات الفكر الإداري العالمي.
- القدرة على اتخاذ القرارات الإستراتيجية بصورة فعالة.
شروط نجاح التخطيط الاستراتيجي
إذا كنت ترغب في نجاح التخطيط الاستراتيجي وتحقيق أهدافه، فعليك التأكد من توافر مجموعة من المقومات والشروط الأساسية التالية:
- المشاركة الواسعة: يجب أن تكون هناك قاعدة واسعة للمشاركة في التخطيط الاستراتيجي في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإدارية وغيرها من المجالات الأخرى.
- التوافر الكامل للمعلومات: إذا كنت تريد النجاح في التخطيط الاستراتيجي فعليك الحرص على توافر قاعدة معلوماتية كاملة، والتي تمثل عنصرًا أساسيًا في هذا الصدد، حيث أن غياب هذه القاعدة يعني عدم توفر الموضوعية والمنهجية العلمية في التخطيط الإستراتيجي.
- الإرادة السياسية: عندما تكون هناك قناعة صادقة ونهج واضح في استخدام التخطيط الاستراتيجي فإنه يمكن تحقيق النجاح والابتعاد عن العشوائية والأغراض الدعائية التي تعوق التخطيط الإستراتيجي عن تحقيق أهدافه.
لا شك أن هذه المقومات هي الأساس لتحقيق النجاح في التخطيط الإستراتيجي لذا علينا الاهتمام بها بشكل كبير.
تصنيفات التخطيط الاستراتيجي
يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع للتخطيط الاستراتيجي، على النحو التالي:
- التخطيط الدفاعي: يتسم هذا النوع من التخطيط بالتوجه التكيفي مع متغيرات البيئة الخارجية، حيث يركز على إيجاد حلول ملائمة لمواجهة المشاكل الحالية، ويميل هذا النمط إلى التركيز على الجوانب المحددة بدلاً من النظر إلى الصورة الكاملة.
- التخطيط الريادي: يتميز هذا النوع من التخطيط بالتوجه نحو استكشاف المستقبل والتعرف على المشكلات المحتملة قبل حدوثها، والبحث عن الفرص الجديدة، ويميل هذا النمط إلى النظرة العامة بدلاً من التركيز على الجوانب المحددة.
- التخطيط التحليلي: يعتمد هذا النوع من التخطيط على التحليل الواقعي للبيئة والمعلومات المستخرجة منها، ويهدف هذا النوع من التخطيط إلى البحث عن الفرص الجديدة وحل المشاكل الحالية بطرق فعالة، ويميل هذا النمط إلى التركيز الشامل على الجوانب المحددة والنظر للصورة الكاملة في نفس الوقت.
مدارس التخطيط الإستراتيجي
تعتبر مدارس التخطيط الإستراتيجي متنوعة، وسنتحدث عن ثلاثٍ منها في هذا النص كالآتي:
- ترى مدرسة الاختيار الإستراتيجي أنّ عملية التخطيط الإستراتيجي تعدّ عملية تحويلية، ويقوم الهدف الأساسي منها بتبني التغيير المحيط بالمنظمة، وذلك عن طريق مفهوم فكري مدروس ومنهجية مقصودة، ويتمّ دفع هذه المنهجية الفكرية بتوقّعات سلبية حول المستقبل، لتجعل المنظمة جاهزة لمواجهة أي تحديثات.
- أمّا مدرسة التكييف البيئي فترى أنّ المنظمات تقوم بتبني التغيرات الحاصلة في البيئة المحيطة بها وذلك لأنّ الجمهور المتعامل معها يتغيّر، لذلك تركّز هذه المدرسة على المنافسة والمواقف التنافسية بين المنظمات.
تتّفق المدرستان على أنّ الدافع وراء تبني المنظمات للتغيير والتخطيط الإستراتيجي ينبع من توقّعات سلبية تجاه المستقبل، ممّا يجعل المنظمات مستعدة للتأقلم.
- أمّا مدرسة علم التعقيد فتستمدّ ثورة أفكارها من علم التعقيد، وهو علم حديث يبحث في العلاقات الرياضية والفيزيائية اللاخطية والحالات التي لا يمكن برهنتها، واعتمد بعض المنظرين الاستراتيجيين على هذا المفهوم، واعتبروا أنّ عملية التخطيط الإستراتيجي وصياغة الإستراتيجية تعدّ أعقد من مجرّد خطواتٍ متتابعة.
خاتمة رائعة عن التخطيط الاستراتيجي
إنّ التخطيط الاستراتيجي هو مفهوم شامل ومعقد يتضمن العديد من الأبعاد المختلفة التي تتعلق بمستقبل المؤسسات وتفاعلها مع بيئتها الخارجية غير المستقرة، وبالرغم من اختلاف وتعدد التعاريف التي تم إطلاقها حول هذا المصطلح إلا أنها جميعها تركز على ضرورة وجود رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق الأهداف النهائية للمؤسسة بأعلى درجة من الكفاءة والفعالية.
ويتضمن التخطيط الاستراتيجي مراحل متعددة بدءاً من وضع الرؤية الاستراتيجية وصولاً إلى تحديد الأهداف الاستراتيجية وتحليل البيئة الداخلية والخارجية، وذلك من خلال استخدام تقنيات تحليل SWOT، وأخيراً تطبيق الخيار الاستراتيجي.
نسعد بإستقبال إقتراحاتكم وإضافة خبراتكم